Friday, March 5, 2010

الزواج المدني في لبنان بين الحق والواقع

تعتبر قضية الزواج المدني في لبنان إحدى أهم المشاكل التي تعاني منها بعض شرائح المجتمع اللبناني المتنوع وتختلف حولها الآراء بين رافض من جهة يقابلها مؤيد من جهة أخرى يتوسطهما متحفظ يتأرجح بين الجهتين.

إذاً كون هذا الموضوع هو خلافي، وجب علينا التعاطي معه بموضوعيةٍ كاملة وبصراحةٍ تامة.



إنَّ لبنان هو بلد شرقي، والشرق كان دائماً منبتَ الأديان وموطن الأنبياء ومهد الفلسفة والشرائع ومن بحره المتوسطي انطلقت الحضارات لتغزو العالم وتنيره بالمعرفة. يعتبر الدين في الشرق  ركنٌ من أركان الوجود، والتماسك العائلي هو دليلٌ على عيش المتديّن بغض النظر عن إيمانه أو عدمه، فالدين في بلادنا ليس فقط علاقة إيمانيّة عامودية إنما أيضاً هو علاقة أفقية بين المؤمنين على اختلاف أديانهم. لقد ورث الشرقيون واللبنانيون خاصة، الراديكالية الدينية منذ القدم وبنيت أوطانهم على أسس دينية صرفة وارتبطوا في لبنان مجموعات دينية ذات امتيازات طائفيّة تاريخية صعُبَ عليها الاستغناء عن الراديكالية حتى باتت الليبيرالية إن وجدت، ليبيراليةً نسبيةً محدودة.

الرأي الأوّل الرافض للزواج المدني يأخذ أشكالاً دينية أو مصالح طائفية في رفضه، ولكنه حتماً امتداد لتاريخ عمره آلاف السنين ولفكر راديكالي لا يمكن تغييره الا بثورة تشبه الثورات الفرنسية أو ثورة أتاتورك في تركيا وهذا ما يصعب تحقيقه في بلدٍ متعدد الأديان كما هي الحال في لبنان.



أما المطالبون باعتماد الزواج المدني في الدوائر القانونية فهم بالإجمال يعتبرون أنَّ حق المواطن هو فوق كل اعتبار طائفي أو سياسي، وأنَّ الزواج المدني الاختياري حاجة موضوعية وحق من حقوق الإنسان. وبوصفه كذلك، فان أي تأخر في إقراره يعني انتهاكا صارخا لهذا الحق كما جاء في المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: " فإذا كانت الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، و لها الحق بحماية المجتمع و الدولة " فان " للرجل و المرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزويج و تأسيس أسرة ، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين. و هما يتساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج و لدى انحلاله".

وتقول الدكتورة فيوليت داغر الأمينة العامة للجنة العربية لحقوق الإنسان: "إننا وكما نرفض الاعتداء على الإكليل في كنيسة أو عقد القران عند شيخ، نرفض حرمان المواطنين من الزواج وفقا للقانون دون فرض المؤسسات الطائفية كوسيطة بين المواطن والدولة... إنَّ مشروع قانون الأحوال الشخصية الاختياري هو خطوة هامة جدا من أجل المساواة بين الجنسين وفي مناهضة الطائفية والتمايز بين المواطنين على أساس المعتقد".

وبعد، معروف أن المشروع لا يهدف بحال لإلغاء الزواج الديني وإنما لحل مشكلة اجتماعية وإنسانية كبرى يعيشها لبنان منذ بداية القرن تتمثل في غياب قانوني لتنظيم أحوال قطاع واسع من الأسر التي لم تجد في الزواج المذهبي ما يقبل بها. واضطرت باستمرار إلى الذهاب خارج الأراضي اللبنانية للزواج، مع العلم أن هناك تعقيدات تنشأ عن هكذا خيار في القوانين اللبنانية المحلية التي خطت نصف خطوة نحو السماح بهذا النوع من الزواج دون أن تؤمن الحماية الكافية لكل من يختاره.

ويبقى من تحفظ، هو الذي يريد فعلاً المضي في علمنة "و ان كانت محددة ومحدودة" دون المسّ في دينه ومعتقداته مسيحياً كان أم مسلماً.

فما هو الحل إذاً ومتى؟

سؤالٌ تصعب الإجابة عنه، فالحل يجب أن يكون جذرياً يطال قانون الأحوال الشخصية برمته، "فالزواج حالياً هو مؤسسة حصرا طائفية و إخراج القيد يثبته. فالطائفة لا تشرف فقط على تكوينه و إنما أيضا على المسائل التمهيدية وتبعاتها. فالخطبة والبنوة والوصاية والحق برعاية الأطفال والنفقة، كلها من اختصاص الطائفة. مما يشكل كلا يعرف بالأحوال الشخصية التي تغذي وتعطي القوة للتشريعات الطائفية" (ادمون رباط، التكوين التاريخي للبنان السياسي والدستوري، محاولة لفهم تركيبه). من هنا يبدأ المشروع الحقيقي لإلغاء الطائفية واعتماد علمنة عصرية تحترم حق الإنسان وتحترم أيضاً القيم الدينية في الممارسة ولا تشبه "العلمنة الغربية" لأن الأخيرة وإن نجحت في مجالات متعددة إلّا انها قادت إلا التفكك الأسري والإلحاد والتدهور في الحياة الاجتماعية.

وفي نظرة واقعية يبدو أنّ "تغيير قانون الأحوال الشخصية" يقع في مرتبة متأخرة على لائحة الأولويّات المطروحة وقد نحتاج للسنين طويلة قبل المضي في إصلاحه، عسى هذه السنون لا تتحول إلى قرون.

وللمفارقة فقط، ففي عام 1910 أجرت صحيفة البرق التي كان يرأس تحريرها الشاعر الأخطل الصغير أول استفتاءٍ حول الزواج المدني بين أبناء كل الطوائف واتت معظم الإجابات بالموافقة عليه وعلى الزواج المختلط. و قد أجاب الفيلسوف اللبناني أمين الريحاني : " أن الزواج بين الطائفتين (الإسلامية والمسيحية) من أهم شروط صلاحنا و تقدمنا".

كان هذا القرن أوّل مئة سنة على طرح المشروع، فهل يصلح القول الشعبي " أوّل مئة سنة صعبة وبعدين بتهون؟".

جـــان بـــدر

5/3/2010